لا أدري لماذا يكتب الناس مذكراتهم
ربما يكتب المشاهير مذكراتهم لأنها ترتبط بأحداث تاريخية تهم الناس .. أو ليكشفوا ما رأوه من فضائح وفظائع رأوها أو شاركوا في صنعها .. أو ربما ليزدادوا شهرة بين الناس..
أما أنا – العبد الفقير- فكتبتها لنفسي ابتداء .. ثم أحببت أن تقرئوها لعل فيها بعض الفائدة أو الطرافة ..
****
1. رحلة البحث عن عمل:
وأخيرا تحقق الحلم الذي كنت أتمناه منذ وطأت قدماي الجامعة .. لقد تخرجت
نعم تخرجت ..
و فرحت جدا عندما تسلمت الشهادة من الكلية بعد عناء 5 سنوات ..
و قررت أن آخذ لنفس فترة راحة و "سلطنة" أسبوعين زمان قبل أن أعمل ..
و كأن العمل ينتظر العبد الفقير على الباب .. فيكفي أن أضغط على الزر فيأتيني صاغرا !!..
خلال الإجازة الاختيارية التي أخذتها ؛ أحسست بأن وضعي في البيت "مش ولا بد " كما يقول إخواننا المصريين ، يعني الوضع الطبيعي إما أن أخرج للعمل أو أخرج للبحث عن عمل !! ..
كنت سعيدا و أن أفكر في خوض الرحلة التي سبقني إليها آلاف المهندسين .. رحلة البحث عن عمل ..
كيف أبدأ ..؟
فكرت .. ما هي الأماكن التي يمكن لي كمهندس المدني العمل فيها .. ؟؟
- الوزارات و المؤسسات الحكومية : انس الأمر ، فهي تحتاج إلى واسطة قوية كما هو الحال في 99,99% من دولنا العربية.
- المؤسسات الأهلية و الخاصة : و هذه تحتاج إلى خبرة لا تقل عن سنوات عديدة و مديدة..
- المكاتب الهندسية: ممكن ..
- شركات المقاولات : ممكن..
كنت أنظر إلى الإعلانات في الصحف .. مطلوب مهندس مدني ، خبرة 5 سنوات ، 10 سنوات .. المهم أن الخبرة أحد أهم الشروط .. و كنت أقول في نفسي .. خبرة خبرة خبرة .. من أين نحصل على الخبرة؟ "طيب شغلونا حتى نحصل على الخبرة" !
خطرت لي فكرة عبقرية – أكيد خطرت على بال الكثيرين قبلي- هي أن أدور على المكاتب الهندسية و شركات المقاولات أعرض خدماتي عليها ..
ثم توالت الأفكار "العبقرية" أكثر .. ذهبت إلى نقابة المهندسين و طلبت كشفا بأسماء و بيانات المكاتب الهندسية في المدينة التي أقطنها ، و طلبت كشفا آخر من اتحاد المقاولين بأسماء و بيانات شركات المقاولين ..
عدد المكاتب الهندسية حوالي 90 مكتب ، و عدد شركات المقاولات يربو على 200 شركة ..
جميل جدا .. قلت أقسم الشركات و المكاتب .. كل أسبوع أقدم طلب عمل في 10 شركات و أنتظر ..
يعني مؤكد ستكون هناك شركة ما ستتصل بي و تطلب خدماتي .. نعم !
نظرت في الكشوف فلم أجد عناوين الشركات .. فقط أسماء و أرقام هواتف و فاكسات ..
و أنا غير مستعد للاتصال ب 290 شركة لمجرد أن أعرف عناوينهم !!
و فجأة تذكرت أن بجوار منزلنا برجين يحويان العديد من المكاتب الهندسية و شركات المقاولات ، و ما علي إلا أذهب هناك و أقدم طلبي ..
هرعت إلى جهاز الكمبيوتر و كتبت سيرة ذاتية "محترمة" تحوي مؤهلاتي العملية و الدورات الهندسية والحاسبوبية التي حصلت عليها ، و طبعت السيرة الذاتية أو ال C. V. كما يقولون ثم صورتها 100 نسخة كاستفتاح ..
طبعا حرصت أن تكون في صفحة واحدة فقط لأنني قرأت – و هذه أحد فوائد القراءة- أن صاحب العمل لا يقرأ عادة كل السيرة الذاتية و إنما فقط يأخذ نظرة سريعة ، المهم يجب أن تكون السيرة مختصرة و تحوي أهم نقاط القوة لديك من حيث المؤهلات العلمية، و الدورات، و الخبرة العملية..
و هذه ما فعلته .. طبعا باستثناء الخبرة التي لم تكن سوى تدريب عملي لمدة شهرين في أحد الشركات أثناء الجامعة والذي كان أحد متطلبات التخرج ..
***
وقفت أمام أحد البرجين .. و نظرت إليه من أسفل إلى أعلى .. كيف أبحث فيه عن الشركات و المكاتب الهندسية ؟؟
فكرة "عبقرية" جديدة ..
استقللت المصعد إلى آخر طابق في البرج ثم بدأت أنزل من أعلى إلى أسفل على الدرج ، و أنظر اليافطات المعلقة على أبواب الشقق ، فإذا وجدت ما يفيد بأن الشقة عبارة عن مكتب هندسي أو شركة مقاولات قرعت الجرس و دخلت ..
تخيلوا .. أنا أدق الآن على باب أول شركة أطلب عملا لأول مرة في حياتي ..
أخفيت ابتسامتي في أعماقي عندما دلفت إلى داخل الشركة ، و تصنعت الوقار .. و طلبت من السكرتيرة مقابلة مدير الشركة ..
السكرتيرة : أقول له من ؟ أجبتها بوقار عن اسمي ، طبعا مسبوقا بلقبي الجديد "المهندس .."
و أعترف بأنني كنت خجلا نوعا ما من استخدام هذا اللقب في التعريف عني ..
دخلت غرفة المدير الذي صعدني بنظراته المتسائلة..
عرفت بنفسي ، و قلت له : أنا خريج جديد و أبحث عن عمل ، فإن رغبتم في خدماتي اتصلوا بي ..
و أعطيته السيرة الذاتية .. نظر إلي المدير ثم إلى الورقة بسرعة ، ثم فتح درجا كبيرا في أسفل مكتبه يحوي عددا ضخما من الأوراق و وضع ورقتي فوق أخواتها ثم أغلق الدرج ..
فهمت الرسالة جيدا : " لدينا طلبات كثيرة و قد رُكن طلبك مع الباقي .. و ربنا يسهل عليك .."
خرجت من الشركة و أنا أقول لنفسي مشجعا .. " و هل تتوقع أن تحصل على العمل من أول محاولة " ؟
بقي في هذا الطابق شركة واحدة..
دخلت إلى شركة أخرى .. المدير غير موجود، طيب أريد أن أقدم طلب للعمل ..
أحضرت لي السكرتيرة – و لا أدري لماذا دائما سكرتيرة و ليس سكرتير- نموذج للطلب ، عبأت الطلب وسلمته للسكرتيرة .. و خرجت داعيا الله ألا يكون مصيره درج المهملات كسابقه ..
هبطت إلى الطابق السفلي .. و بدأت أبحث عن الشركات ، مررت أمام كل أبواب الشقق في الطابق ، لم أجد ما يشير إلى وجود شركات .. كنت أدعو في هذه اللحظة ألا يراني أحد السكان و أنا أتفحص باب شقته فاضطر إلى تفسير موقفي !!
وجدت شركة ثالثة أخيرا بعد طابقين من البحث ..
مرة أخرى :
- أين المدير ؟ - من؟ - المهندس "فلان الفلاني" ..
استقبلني مدير الشركة بحفاوة أدهشتني و أجلسني أمام مكتبه ، بل و طلب لي كوبا من الشاي ..!!
- ما الأمر ؟؟ قلت في نفسي .
أخفيت تساؤلي و دهشتي ، قال: تفضل..
أخبرته بالاسطوانة المعتادة: مهندس جديد ، أبحث عن عمل، ها هي السيرة الذاتية ، اتصلوا بي إذا رغبتم ..
كسا العبوس وجه المدير، و صمت ..
أحسست أنه قد ندم على طلب الشاي من أجلي ، و ما أكد لي ذلك أنني عندما رأيت عبوسه استأذنت بالخروج ، فأذن لي و لم يتكلف إبقائي لشرب الشاي على الأقل..
خرجت متعجبا .. لعله كان ينتظر أحد المهندسين "المهمين" بالنسبة إليه ، و اعتقد أنني هو ..
لم أيأس بعد..
قلت في نفسي : هي ورقة – عن السيرة الذاتية- دعني ألقيها في كل شركة و أخرج و لن أخسر شيئا .. لعل الله يكرمنا بعمل..
***
كانت حصيلة ذلك اليوم 15 شركة و مكتب هندسي في البرجين .. و قلت في نفسي: كل شيء على ما يرام .. دعني أعطي هذه الشركات أسبوعا حتى تتصل بي، ثم أتابع البحث في أماكن أخرى ..
- لم يتصل بي أحد ؟
كان هذا أول ما أقوله لوالدتي بعد التحية كلما دخلت المنزل .. الجواب عادة: لا ، فكل أصدقائي يكلمونني على الجوال ..
انتهى الأسبوع و لم يتصل بي أحد ..!!
معقول أن أكون قد نسيت تسجيل رقم هاتفي في السيرة الذاتية ؟ هرعت إليها .. رقم هاتف المنزل موجود ، ورقم الجوال ، و البريد الإلكتروني .. كل شيء تمام ..!!
حسنا .. تبقى 275 شركة و مكتب هندسي لم أطرق أبوابهم بعد !! ما زال الأمل موجودا إذن ..
عدت في الأحد الأيام إلى المنزل سائلا أمي كالعادة: هل اتصل بي أحد ؟
قالت: نعم .. فلان الفلاني . ..
إنه مهندس خريج مثلي ، هاتفته ، أخبرني بأن هناك فرصة للعمل في أحد شركات المقاولات بدعم من أحد المؤسسات الخيرية بحيث تدفع المؤسسة ثلثي الراتب ، و الشركة الثلث المتبقي ..
لم أتمالك نفسي من الفرحة ، عرفت عنوان المؤسسة و هناك رتبوا لي الأمر مع أحد شركات المقاولات، وكانت هذه الشركة هي أول مكان أعمل فيه ..
ما تعلمته من هذا الدرس : أن على الإنسان أن يسعى و على الله النتيجة ، "إن تنصروا الله ينصركم" أي اجتهدوا لتحقيق النصر ينصركم الله ..
لم يتصل بي أحد ممن طرقت أبوابه لكني سعيت ، و رزقني الله عز وجل ..
على الإنسان أن يوقن بأن الرزق بيد الله ، و الرزق مكتوب لك و أنت في رحم أمك .. و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب..
***
في عملي الأول في تلك الشركة اصطدمت بالواقع الرهيب الذي لم أكن أتخيله و لا أتصوره أثناء دراستي ..
منقول
[/size]
عدل سابقا من قبل ABOEL7ASSAN في 08/11/08, 04:04 pm عدل 1 مرات