قول أرنو لد تويني: إن أي مجتمع لا يعطي الإبداع الفرصة الكافية إنما هو مجتمع ميت". فلحظة إبداعية واحدة قد تؤتي بثمار يمتد أثرها إلي أجيال وأجيال. قد تحي موات أمم. وقد تسموا بالإفراد إلي معالي القمم. كما أن تعطيل لحظات الإبداع هذه وقت الحاجة قد يساهم في انقراض وهلاك الأمم وكذلك الأفراد.
ودعنا نذهب سريعا إلى يوم بدر يوم الفرقان . يوم التقى الجمعان. فها هو الجيش المسلم قد تمركز بالعدوة الدنيا عند أدنى ماء من بدر . وها هو الحباب بن المنذر ينظر إلى مواضع تمركز القوات فيجد فيها خللا ظاهرا . فيتقدم إلى رسول الله بأدب الجندي مع القائد ويقترح ضرورة تغيير مواضع تمركز القوات المسلمة لأسباب ميدانية وجيهة. فيعجب الرسول برأيه . ويأيد مقولته. وينزل – وهو القائد عند رأي الجندي. بل ويقول له: لقد أشرت بالرأي. ويأمر الجيش بالتمركز في المواقع الجديدة التي ارتآها الحباب بن المنذر . وتدور المعركة ويتحقق النصر . وكان لهذا الرأي دور في تحقيق النصر يوم بدر.
إن الذي فعله الحباب بن المنذر في هذا الموقف أنه نظر إلي الأمور بصورة مناقضة للواقع . نظر الي الأمر المعتاد بصورة غير معتادة. إذ جرت عادة الجند تنفيذ أوامر القادة دون آية مناقشة أو تردد. ولكن الشخصية الإبداعية غير ذلك. الشخصية الإبداعية لا تكتفي بالنظر الي الواقع. ولكنها دائما تنظر إلى ما وراء الواقع. وهذا ما فعله الحباب بن المنذر رضي الله عنه وأرضاه.
يقول أحد العلماء: إن الأمم مالم تتخذ مواقف إبداعية تجاه مشكلاتها وقضاياها فإن مصيرها هو الانقراض والهلاك.
وأرجوك أن تتخيل معي مصير عتبه بن غزوان لما أرسله الخليفة عمر علي رأس جيش لفتح مدينة الأبله – البصرة- حاليا.كان جيش عتبه قليل العدد والعدة .(ثلاث مائة رجل وبضع نساء ) وكان علي أمل وصول المدد من المدينة ليساعده في مهمة فتح هذه المدينة . وما أن وصل عتبه حتى هاله قوة تحصينات المدينة وكثرة أبراج الاستطلاع المحيطة بها وموقعها الحصين وكثرة السفن المحيطة بها ؟. إضافة إلى كونها محاطة بمياه النهر من عدة جهات فماذا فعل عتبه .؟
صف كل جنوده في طابور طويل يفصل بين الجندي والأخر مسافة واعد للنسوة رايات رفعها على أعواد الرماح وأمرهن أن يمشين خلف الجيش . وقال لهن :
- إذا نحن اقتربنا من المدينة فأثرن التراب خلفنا حتى تملان به الجو .
وما أن اقتربت مقدمة جيش عتبة من المدينة. حتى خرج إليهم جند الجيش الروماني . لا أن أبراج استطلاع الجيش الروماني رصدت صورة جيش جرار . مقدمته على أعتاب المدينة و وراياته تخفق عالية في الخلف و غبار خيوله علي مرمى البصر . فقال بعضهم لبعض :
- إنها طليعة العسكر . وإن وراءهم جيشا جرارا يثير الغبار. نحن قلة.
وسرعان ما عم خبر هذا الجيش الجرار بين جنود الجيش الروماني . وسرعان ما عمت الفوضى بين الجند والقادة .وسرعان ما دب في قلوبهم الذعر وسيطر عليهم الجذع . فطفقوا يحملون ما خف وزنه وغلا ثمنه . وقفزوا في السفن الراسية في مياه نهر الفرات . وتركوا المدينة هاربين فارين . ودخلها عتبة بن غزوان وجنوده دونما قتال .
إن الذي فعله عتبه أمام تلك المعضلة التي واجهها . انه كانت لديه القدرة علي توليد فكرة جديدة.. بسيطة .. مفيدة . استطاع بها حل هذه المشكلة. وهذه أحد سمات الشخصية الإبداعية. .
وما زلت أذكر هذا الطفل الذي أعيت أهله الحيل لينتظم في الدراسة . وما زلت أذكر معاناة أهل هذا الطفل- وخاصة أمه-ومدى حزنهم الشديد بسبب عزوف الطفل عن الدراسة وما زلت أذكر كيف استنفذ أهله معه كل الوسائل: من تحفيز وتهديد ووعيد وعقاب لإقناعه بالانتظام مع زملائه في الدراسة دون جدوى . كان الطفل يواجه كل هذه الإجراءات بمزيد من الإصرار والعناد المصحوب بالصراخ والبكاء إلا أن أحد المعلمين جاء إلى الطفل ذات يوم ومسح على رأسه وهدأ من روعه وأعطاه عصاه وقال له :
هذه عصاي خذها معك على أن تحضرها معك غدا في طابور الصباح .
ولم ينس المعلم أن يوضح للطفل المخاطر الناجمة من عدم إحضاره العصا غدا في الصباح الباكر وقبل بدء الطابور . المهم هدأت حفيظة الطفل وظل يحمل عصا المعلم طيلة اليوم وهو يشعر بشيء من النشوى . ومع انتهاء اليوم الدراسي عاد الطفل إلى بيته ومعه العصا . وفي الصباح كانت المفاجأة لأهل الطفل . إذ بكر الطفل وأخذ يعد نفسه ويعد حقيبة كتبه للذهاب الي المدرسة مبكرا على غير العادة وسط دهشة الجميع من هذا السلوك المفاجئ . وظل الطفل على هذه الحالة لفترة من الزمن : يتوجه إلى المدرسة كل يوم في الصباح الباكر لا لشيء إلا من اجل إحضار عصا المعلم . ومرت الأيام وانتظم الطفل في دراسته وانشغل في دروسه وواجباته. ولم تعد تشغله حكاية عصا المعلم هذه .
إن ذا الموقف الذي اتخذه هذا المعلم يساوي نفس الموقف الذي اتخذه الحباب بن المنذر ويساوي نفس الموقف الذي اتخذه عتبه. فكل منهم عاش مشكلة . وكل منهم تعامل مع مشكلته بموقف إبداعي. وهذا ما يجب أن يظلل حياتنا . وفي مختلف ميادين الحياة وليس في ميدان وتحد . إذ يجمع المختصون أن الإبداع ليس له مجال محدد. ولا ميدان محدد . فمجالات الإبداع لا حصر لها
.
فالشخصية الإبداعية يجب أن يلمس أثرها في
ميادين المعارك, وعندما مواجهة المشاكل ,وعند الدعوة إلى الله , وإثناء القيادة, وفي المكتب ، وفى المدرسة, وفي المسجد , وفي الشارع . و أثناء ممارسة الرياضة, وعند ممارسة الهواية, وعندما يكون الإنسان بمفرده, وعند الاسترخاء وأثناء النوم, وعلي الشاطئ , حتى ومن خلال الحلم .
إننا جميعا مطالبون بالسعي الدءوب لنشر ثقافة الإبداع بين أبناء المسلمين. بغية انتشال امتنا من حالة الموات التي ألمت بها من جراء اضمحلال ثقافة الإبداع عند الكثير من أبنائها على كافة المستويات .
طارق حسن السقا
ودعنا نذهب سريعا إلى يوم بدر يوم الفرقان . يوم التقى الجمعان. فها هو الجيش المسلم قد تمركز بالعدوة الدنيا عند أدنى ماء من بدر . وها هو الحباب بن المنذر ينظر إلى مواضع تمركز القوات فيجد فيها خللا ظاهرا . فيتقدم إلى رسول الله بأدب الجندي مع القائد ويقترح ضرورة تغيير مواضع تمركز القوات المسلمة لأسباب ميدانية وجيهة. فيعجب الرسول برأيه . ويأيد مقولته. وينزل – وهو القائد عند رأي الجندي. بل ويقول له: لقد أشرت بالرأي. ويأمر الجيش بالتمركز في المواقع الجديدة التي ارتآها الحباب بن المنذر . وتدور المعركة ويتحقق النصر . وكان لهذا الرأي دور في تحقيق النصر يوم بدر.
إن الذي فعله الحباب بن المنذر في هذا الموقف أنه نظر إلي الأمور بصورة مناقضة للواقع . نظر الي الأمر المعتاد بصورة غير معتادة. إذ جرت عادة الجند تنفيذ أوامر القادة دون آية مناقشة أو تردد. ولكن الشخصية الإبداعية غير ذلك. الشخصية الإبداعية لا تكتفي بالنظر الي الواقع. ولكنها دائما تنظر إلى ما وراء الواقع. وهذا ما فعله الحباب بن المنذر رضي الله عنه وأرضاه.
يقول أحد العلماء: إن الأمم مالم تتخذ مواقف إبداعية تجاه مشكلاتها وقضاياها فإن مصيرها هو الانقراض والهلاك.
وأرجوك أن تتخيل معي مصير عتبه بن غزوان لما أرسله الخليفة عمر علي رأس جيش لفتح مدينة الأبله – البصرة- حاليا.كان جيش عتبه قليل العدد والعدة .(ثلاث مائة رجل وبضع نساء ) وكان علي أمل وصول المدد من المدينة ليساعده في مهمة فتح هذه المدينة . وما أن وصل عتبه حتى هاله قوة تحصينات المدينة وكثرة أبراج الاستطلاع المحيطة بها وموقعها الحصين وكثرة السفن المحيطة بها ؟. إضافة إلى كونها محاطة بمياه النهر من عدة جهات فماذا فعل عتبه .؟
صف كل جنوده في طابور طويل يفصل بين الجندي والأخر مسافة واعد للنسوة رايات رفعها على أعواد الرماح وأمرهن أن يمشين خلف الجيش . وقال لهن :
- إذا نحن اقتربنا من المدينة فأثرن التراب خلفنا حتى تملان به الجو .
وما أن اقتربت مقدمة جيش عتبة من المدينة. حتى خرج إليهم جند الجيش الروماني . لا أن أبراج استطلاع الجيش الروماني رصدت صورة جيش جرار . مقدمته على أعتاب المدينة و وراياته تخفق عالية في الخلف و غبار خيوله علي مرمى البصر . فقال بعضهم لبعض :
- إنها طليعة العسكر . وإن وراءهم جيشا جرارا يثير الغبار. نحن قلة.
وسرعان ما عم خبر هذا الجيش الجرار بين جنود الجيش الروماني . وسرعان ما عمت الفوضى بين الجند والقادة .وسرعان ما دب في قلوبهم الذعر وسيطر عليهم الجذع . فطفقوا يحملون ما خف وزنه وغلا ثمنه . وقفزوا في السفن الراسية في مياه نهر الفرات . وتركوا المدينة هاربين فارين . ودخلها عتبة بن غزوان وجنوده دونما قتال .
إن الذي فعله عتبه أمام تلك المعضلة التي واجهها . انه كانت لديه القدرة علي توليد فكرة جديدة.. بسيطة .. مفيدة . استطاع بها حل هذه المشكلة. وهذه أحد سمات الشخصية الإبداعية. .
وما زلت أذكر هذا الطفل الذي أعيت أهله الحيل لينتظم في الدراسة . وما زلت أذكر معاناة أهل هذا الطفل- وخاصة أمه-ومدى حزنهم الشديد بسبب عزوف الطفل عن الدراسة وما زلت أذكر كيف استنفذ أهله معه كل الوسائل: من تحفيز وتهديد ووعيد وعقاب لإقناعه بالانتظام مع زملائه في الدراسة دون جدوى . كان الطفل يواجه كل هذه الإجراءات بمزيد من الإصرار والعناد المصحوب بالصراخ والبكاء إلا أن أحد المعلمين جاء إلى الطفل ذات يوم ومسح على رأسه وهدأ من روعه وأعطاه عصاه وقال له :
هذه عصاي خذها معك على أن تحضرها معك غدا في طابور الصباح .
ولم ينس المعلم أن يوضح للطفل المخاطر الناجمة من عدم إحضاره العصا غدا في الصباح الباكر وقبل بدء الطابور . المهم هدأت حفيظة الطفل وظل يحمل عصا المعلم طيلة اليوم وهو يشعر بشيء من النشوى . ومع انتهاء اليوم الدراسي عاد الطفل إلى بيته ومعه العصا . وفي الصباح كانت المفاجأة لأهل الطفل . إذ بكر الطفل وأخذ يعد نفسه ويعد حقيبة كتبه للذهاب الي المدرسة مبكرا على غير العادة وسط دهشة الجميع من هذا السلوك المفاجئ . وظل الطفل على هذه الحالة لفترة من الزمن : يتوجه إلى المدرسة كل يوم في الصباح الباكر لا لشيء إلا من اجل إحضار عصا المعلم . ومرت الأيام وانتظم الطفل في دراسته وانشغل في دروسه وواجباته. ولم تعد تشغله حكاية عصا المعلم هذه .
إن ذا الموقف الذي اتخذه هذا المعلم يساوي نفس الموقف الذي اتخذه الحباب بن المنذر ويساوي نفس الموقف الذي اتخذه عتبه. فكل منهم عاش مشكلة . وكل منهم تعامل مع مشكلته بموقف إبداعي. وهذا ما يجب أن يظلل حياتنا . وفي مختلف ميادين الحياة وليس في ميدان وتحد . إذ يجمع المختصون أن الإبداع ليس له مجال محدد. ولا ميدان محدد . فمجالات الإبداع لا حصر لها
.
فالشخصية الإبداعية يجب أن يلمس أثرها في
ميادين المعارك, وعندما مواجهة المشاكل ,وعند الدعوة إلى الله , وإثناء القيادة, وفي المكتب ، وفى المدرسة, وفي المسجد , وفي الشارع . و أثناء ممارسة الرياضة, وعند ممارسة الهواية, وعندما يكون الإنسان بمفرده, وعند الاسترخاء وأثناء النوم, وعلي الشاطئ , حتى ومن خلال الحلم .
إننا جميعا مطالبون بالسعي الدءوب لنشر ثقافة الإبداع بين أبناء المسلمين. بغية انتشال امتنا من حالة الموات التي ألمت بها من جراء اضمحلال ثقافة الإبداع عند الكثير من أبنائها على كافة المستويات .
طارق حسن السقا