قبل الحديث عن دور المسجد كان لابد ان نتحدث عن المدينة الإسلامية وتكوينها العمراني
وأهم عناصر تكوينها، ثم يأتي الحديث عن المسجد
النسيج العمراني للمدينة الإسلامية
تتميز المدينة الإسلامية القديمة بثلاثة عناصر أساسية أولها وجود المسجد الجامع في مركزها الحضري عند منتصف القصبة الرئيسية و تعتبر القصبة الرئيسية هي المحور الرئيسي للحركة و النشاط التجاري والإداري و تمثل العنصر الثاني في تكوين المدينة أما العنصر الثالث فيتمثل في المناطق السكنية التي تمتد على جانبي القصبة في صورة حارات تتفرع من القصبة وتكون مجموعات اجتماعية متجانسة من مهنة واحدة وإن تفاوتت مستويات الدخل في كل فئة.
وقد كان للتشريع الإسلامي أثره في تنظيم النسيج العمراني للمدينة القديمة فكان معبرا عن التجانس والتكامل بين المجتمع. حيث تظهر الأحياء السكنية حول محاور الحركة الرئيسية في القصبة كما تظهر التقسيمات الأقل حول محاور الحارة و فروعها ، وعلى مستوى الحارات يظهر التجانس الاجتماعي مع التفاوت الاقتصادي . وتنعكس هذه القيم على النسيج العمراني للمدينة حيث تتساوى المباني في الارتفاعات للحفاظ على حرمة الجوار وتتلاحم في كتلة بنائية واحدة " كالبنيان المرصوص "ولا يرتفع عنها غير مآذن المساجد وقد تتساوى ارتفاعات المساجد مع ارتفاعات المباني أو تزيد أو تقل وكثيرا ما تتلاحم المساجد بالمباني التي تحيطها سواء كانت مدارس أو مساكن أو غيرها. وتتجه المدينة إلى الامتداد الأفقي أكثر من الرأسي كلما أمكن ذلك فإعمار الأرض من القيم الإسلامية العظيمة كما أن الإسلام ينهى عن التطاول في البنيان و المبالغة والإسراف الأمر الذي ينعكس بالتبعية على مبادئ تقسيم الأراضي وشروط البناء وكذلك اقتصاديات البناء. فنجد أن عروض الشوارع و الطرقات كانت تحدد تبعا لحجم الحركة فيها فكانت الشوارع الرئيسية المؤدية للمسجد الجامع تتسع لتصل إلى سبعين ذراعا و غير ذلك من الطرقات تحددت عروضها بعشرين ذراعا أو بالعرض الذي يقبل مرور جملين و الأجزاء المغطاة فيها كانت تحدد بارتفاع الجمل بما يحمل ، أما الأزقة فكان يتراوح بين 3.25 و 3.5 متر وهذا يتناسب مع الحديث الشريف " إذا اختلفتم في الطريق اجعلوا عرضه سبعة أذرع " رواه مسلم عن أبي هريرة والمقياس هنا مرتبط بارتفاعات المباني على جانب الطريق بما يوفر الظل ويعمل على معالجة الظروف المناخية التي فرضت التفاف المباني حول أفنية داخلية و لتحقيق الخصوصية . ويمكن الأخذ بهذه المقاييس في طرق المشاة مع مراعاة فصل حركة المشاة عن حركة المرور الآلي وذلك بتوجيه خارج المنطقة مع إتاحة الفرصة لحركة المرور الخفيفة بالعبور و إن اختلطت بحركة المشاة وتبعا لذلك يمكن تغيير أسلوب رصف الشوارع و الطرقات بحيث تصبح ناعمة وسهلة في الشوارع المخصصة لحركة المرور السريعة بينما تكون خشنة وحجرية في الشوارع الأقل اتساعا و التي تتحمل حركة مرور أقل وتطل عليها المحلات التجارية وفي هذه الحالة يمكن مد شبكات البنية الأساسية في الطرق الرئيسية للمشاة حتى يسهل إدارتها وصيانتها على اعتبار أن الشوارع الرئيسية مخصصة لحركة المرور الآلي الأكثر سرعة و التي لا يمكن شغلها أو تعطيلها في حالة الصيانة للمرافق.
يمثل المسجد و المئذنة علامة بارزة في تشكيل صورة المدينة .
المركز الحضري للحي
يتكون المركز الحضري حول المسجد ويضم مجموعة المسجد والمركز الثقافي والمركز الصحي من ناحية ومجموعة المباني البلدية والخدماتية بحيث تلتف هاتان المجموعتان حول الساحة العامة للحي والتي تتوسط القصبة الرئيسية للحي ويمكن التخديم على المركز الحضري من الخارج بواسطة طريق ذي نهاية مقفلة وتضم مجموعة المباني البلدية والأمنية والخدماتية رئاسة الحي ومكاتب للبريد والبرق والهاتف ومكاتب لرئاسة الحي .
ويتكون المركز الثقافي من صالة متعددة الأغراض ومكتبة وإدارة وغرف جلوس وخدمات وحديقة بينما يتكون المركز الصحي من عيادات متخصصة في مختلف الفروع الطبية وقاعة للانتظار ومعامل للتحاليل والأشعة وخدمات ومركز لرعاية الأمومة والطفولة مع العدد المناسب من غرف للإقامة ووحدة إسعاف ويراعى الفصل في التصميم بين حركتي الرجال والنساء .
ويتحدد حجم الساحة في ضوء كثافة الحركة من ناحية وفي ضوء القطاع العرضي الذي يوضح فيه النسب المناسبة لارتفاعات المباني إلى عرض أو طول الساحة وقد تتكرر صورة المركز الحضري للحي على مقياس أقل بالنسبة للحارة
وهكذا يتحدد المسجد كمركز معماري متميز بمئذنته في التكوين الحضري ويجمع معه الأنشطة الثقافية والصحية في مجموعة متكاملة لا ينفصل فيها المسجد كوحدة معمارية واحدة .
قصبة الحي
تماثل القصبة مركز الحي في النظرية الغربية فالمدينة الإسلامية لم تتكون حول الأجورا كما في المدينة اليونانية أو الفرم كما في المدينة الرومانية
بل تتكون المدينة الإسلامية على جانبي القصبة الرئيسية وتضم القصبة على جانبيها الخدمات التجارية في الأدوار السفلية تعلوها الخدمات المكتبية أو المهنية مع وحدات سكنية في الأدوار العليا
ويتوسط القصبة المركز الحضاري للحي والذي يتميز بالكيان المعماري للمسجد والخدمات التجارية والتي تقدر بنصف إجمالي الخدمات التجارية في الحي بينما النصف الآخر موزع على محاور الوحدات المكونة للحي ويقدر عدد المحال التجارية على أساس 14 محلا لكل ألف نسمة
وتضم القصبة مع مباني المركز الحضري وإلى جانب النشاط التجاري نوعيات أخرى من النشاط المهني والتعليمي والديني الذي يتم في بعض المساجد الصغيرة التي هي اقرب إلى مسجد الحارة المطل على قصبة الحي وتتركز حركة المشاة بالقصبة وتتداخل مع حركة النقل الخفيف
ويتراوح عرض القصبة بين 6 إلى 10 م أو أكثر عند بعض الاتساعات على المسار ويخدم قصبة الحي من الخارج طريقان للمرور الآلي بطول القصبة وموازيان لها ويتفرع من الطريقين طرق فرعية لخدمة المواقع المختلفة على طول القصبة وداخل الحي
المحور الرئيسي للخدمات التعليمية
يلتقي مع قصبة الحي عند المركز الحضري المحور الرئيسي للخدمات التعليمية الذي يضم المدارس الثانوية للبنين من جهة ومدارس للبنات من جهة أخرى تأكيدا للفصل بين النظامين
مع ارتباط الخدمات التعليمية في نفس الوقت بالمسجد والذي يعتبر المكون الرئيسي للمركز الحضري إذ تقوم المدرسة بدورها في التنمية الحضرية للمجتمع الإسلامي وترتبط ارتباطا وثيقا بالمسجد في تخطيط المدن القديمة
ويكون الهدف في هذه المدارس هو التعليم العام والتعليم الحرفي أو الصناعي ويضم محور الخدمات التعليمية أيضا مدارس حضانة وأيضا الملاعب الرياضية وأحواض السباحة التي تخدم المدرسة الثانوية والحي ويربط مجموعة المدارس على طول محور الخدمات الرئيسي للخدمات التعليمية طريق للمشاه يصل إلى الساحة الرئيسية على قصبة الحي ويقع المحور الرئيسي للخدمات التعليمية بين طريقين للخدمة الخارجية وذلك حفاظا على سلامة الطلاب في حركتهم اليومية من السكن إلى المدرسة على طول الحركة الرئيسية للمشاه
المدرسة الثانوية
وتخدم المدرسة الثانوية فئات السن من (15 إلى أقل من 18سنة) وهي تمثل للجنسين حوالي 4%من إجمالي عدد السكان
وتتأثر هذه النسبة بعدة عوامل هي :ارتفاع معدل الزواج المبكر للإناث وارتفاع معدل العاملين في سن مبكر للذكور واختلاف العادات الاجتماعية السائدة واختلاف المستوى الحضاري والثقافي للسكان
وعلى هذا الأساس يمكن افتراض أن نسبة من سيذهبون إلى مرحلة التعليم الثانوي ستتراوح ما بين 1 إلى 2 %من الذكور ومثلهم من الإناث مع مراعاة أن معدل الذكور سيكون أعلى من معدل الإناث ويراعى أنه سيتم الفصل بين المدرسة الثانوية للذكور والمدرسة الثانوية للإناث وتتفاوت مساحة المدرسة الثانوية تبعا لموقعها بالنسبة للمدينة والظروف الخاصة بالحي والموقع ونوع وحجم المدرسة
المحور الثانوي للخدمات التعليمية
يلتقي المحور الفرعي مع قصبة الحي في مراكز ثانوية تتجمع حول ساحات أصغر في المساحة من الساحة الرئيسية ويقع المحور الثانوي للخدمات التعليمية بين وحدتي جوار ويخدم نصف سكان الحي أي أن الحي يكون به محوران ثانويان للخدمات التعليمية ويضم المحور الثانوي المدرسة الإعدادية للبنين وأخرى للبنات للفصل بين الجنسين كما قد يضم المحور الثانوي للخدمات التعليمية في حالة وحدات الجوار منخفضة الكثافة المدارس الابتدائية للبنين والبنات الخاصة بوحدات الجوار والواقعة على نفس المحور
ويربط المدارس على طول المحور الثانوي للخدمات التعليمية طريق للمشاه يصل إلى الساحة الثانوية بالقصبة وذلك حفاظا على سلامة التلاميذ في حركتهم اليومية من المسكن إلى المدرسة على طول الحركة الرئيسية للمشاه
تخدم المدرسة الإعدادية فئة السن من (12 إلى أقل من 15 سنة)وهي تمثل للجنسين حوالي 8% من إجمالي عدد السكان وبفرض تساوي نسبة الذكور ونسبة الإناث فإن هذه النسبة تمثل 4% من إجمالي عدد السكان لكل من الذكور والإناث
وتتأثر هذه النسبة بنفس العوامل التي تؤثر في نسبة التعليم الثانوي
وبذلك يمكن افتراض أن نسبة الذين سيذهبون إلى مرحلة التعليم الإعدادي ستتراوح ما بين ى3 إلى 4 لكل من الذكور والإناث مع مراعاة معدل الإناث سيكون اقل من معدل الذكور
ويراعى أنه سيتم الفصل بين كل من الذكور والإناث في مرحلة التعليم الإعدادي وتتفاوت مساحة المدرسة الإعدادية تبعا لموقعها في المدينة والظروف الخاصة للحي والموقع ونوع وحجم المدرسة
تأثير المسجد على اشتراطات البناء وإدارة المدينة
امتدادا لدور المحتسب في إدارة المدينة الإسلامية فإن الإدارة المعاصرة يمكن أن تتبع نفس المنهج وذلك تأكيدا للاستمرارية الحضارية والالتزام بالقاعدة الشرعية (لاضرر ولا ضرار) سواء في تحديد ارتفاعات البناء أو في حقوق الجوار
الأمر الذي يتطلب رعاية كاملة للعلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع الإسلامي وقي ضوء هذه المبادئ العامة يمكن وضع أسس وقواعد اشتراطات البناء وإدارة المستويات المختلفة لمكونات المدينة بدءا من وحدة الجوار إلى الحي
ومن هذه القواعد والأسس ما يلي :
1-أن يكون المسجد واتجاه القبلة هو الأساس في التخطيط الحضري والتصميم المعماري بالإضافة لعوامل البيئة المحلية
2- تحقيق الخصوصية وهذا يعني المحافظة على حرمة الدار وأهله وأن تكون هناك معالجة خاصة للنوافذ والشرفات والمداخل حتى لا ينكشف ما في داخل الدار مع أفضلية أن تكون معظم الفتحات على فناء داخلي وأن تكون الفتحات الخارجية قليلة ومرتفعة في الدور الأرضي وتحقق الخصوصية
3- أن تكون حوائط الغرف موازية أو متعامدة مع اتجاه القبلة حتى يمكن الصلاة بشكل مريح داخل الغرفة
4- الفصل بين المراحيض وأحواض الوضوء تنفيذا للسنة في عدم الكلام عند قضاء الحاجة وفي الذكر والدعاء عند الوضوء
5- عدم الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية وهذا يستدعي تصميم مصاعد خاصة لتلافي إمكانية الخلوة فيها كذلك الفصل بين الأماكن الخاصة بالرجال عن الأماكن الخاصة بالنساء بما يحقق الخصوصية التامة داخل المباني الخاصة والعامة
المجموعات السكنية في المدينة الإسلامية:
تكونت المجموعات السكنية في المدينة الإسلامية القديمة كتجمعات من ذوي القربى الذين يمتهنون مهنة معينة كتعبير عن الترابط الاجتماعي، وتندرج هذه المجموعات من مستوى الحارة و التي تضم مابين 400و600 نسمة يقطنون مجموعة من المساكن التي تفتح على طريق مغلق للنهاية ملكيته مشاركة بين السكان. وتفتح الحارة على طريق نافذ يمثل القصبة التي تتفرع عنها مجموعة من الحارات تكون في مجموعها الحي السكني. وقد تصب قصبات الأحياء المختلفة في النهاية في القصبة الرئيسية للمدينة حيث مقر الحكم المكون من الجامع الكبير ومقر الحكم، وقصر السكن على ساحل تتفرع منها أسواق المدينة. وكان لكل حارة عريفها الذي يعنى بها نيابة عن سكانها ويختار من بينهم.
ويمكن الاستناد على القاعدة الإسلامية التي تحدد حجم وحدة الجوار وهو الحجم الذي ظهر فيه عدد سكان الحارة كوحدة جوار في المدينة القديمة والرجوع في ذلك للحديث الشريف "ألا أن أربعين دار جار ولا يدخل الجنة من لا يخاف جاره بوائقه "
رواه أبو هريرة، وحدود الجيرة في الإسلام 40 دار في الاتجاهات الأربعة أي 160 دار. والدار هنا إما أن تعرف بالوحدة السكنية وبالتالي يكون عدد السكان في وحدة الجوار 800 شخص باعتبار عدد الأسرة 5 أفراد وهو العدد الذي يتطلب خدمة ممثلة بمدرسة وحضانة وثلاثة من المحلات التجارية ووحدة اجتماعية، أو أن تعرف بمجموعة من الوحدات السكنية المكونة من مبنى سكني لأسرة ممتدة مكونة من 15 فرداً في المتوسط وبالتالي يكون حجم وحدة الجوار 2400 نسمة، وهو العدد الذي يتطلب من الخدمات مدرسة ابتدائية و مركز ثقافي و مجموعة من المحلات التجارية وتضم ثلاثة من مجموعات الجوار السكنية كل منها 800 نسمة.
مقارنة بين المدينة الإسلامية و نظرية المجاورات السكنية :
كانت تتميز المدينة الإسلامية القديمة بثلاثة عناصر أساسية أولها وجود المسجد الجامع في مركزها الحضري عند منتصف القصبة الرئيسية و تعتبر القصبة الرئيسية هي المحور الرئيسي للحركة و النشاط التجاري والإداري و تمثل العنصر الثاني في تكوين المدينة أما العنصر الثالث فيتمثل في المناطق السكنية التي تمتد على جانبي القصبة في صورة حارات تتفرع من القصبة وتكون مجموعات اجتماعية متجانسة من مهنة واحدة وإن تفاوتت مستويات الدخل في كل فئة.
بينما كانت تعتمد الفكرة الأساسية لنظرية المجاورات السكنية على حماية المجتمع من التفكك الاجتماعي نتيجة لتضخم المدن وذلك بتجميع السكان في مناطق سكنية حول مجموعة من الخدمات في مركزها المدرسة الابتدائية ضمن مسافة مقبولة للسير والعمل على الاحتكاك والتفاعل الاجتماعي بين السكان دون تلوث وازدحامات مرورية .
من هنا يمكننا تعريف المجاورة السكني بأنها مجموعة من السكان والمساكن والخدمات تقوم خدمتها على أساس مدرسة ابتدائية تكفل لسكانها ممارسة النشاطات الاجتماعية وممارسة الديمقراطية وهي إطار مناسب لإعادة تخطيط المدن.
نجد أن نظرية المجاورة السكنية تلتقي مع فكرة المدينة الإسلامية في أن كلاهما قائم على أساس اجتماعي يهدف إلى ترابط المجتمع و العمل على تقوية الروابط الاجتماعية فأساس المدينة الإسلامية المسجد و المجاورات السكنية قائمة على وجود مدرسة ابتدائية.
المسجد و مكانته
المسجد هو العنصر الرئيسي ونواة المدينة الإسلامية، فقد كان المسجد هو أول ما يبنى في المدينة الإسلامية الجديدة، وهو نهج سار عليه القادة الإسلاميون اقتفاءً لأثر النبي صلى الله عليه وسلم عندما هاجر من مكة للمدينة وكان أول ما أقامه بها هو المسجد وداره بجوار هذا المسجد.
وقد يقال أن إقامة المسجد كنواة أولى إنما كانت للدعوة للدين الإسلامي الجديد في ذلك العهد، إلا أن المتتبع للمدينة الإسلامية في العصور التالية سيجد مكانة المسجد محفوظة. وأن المساجد كانت العناصر المركزية التي تتجمع حولها الخدمات وكانت ومازالت العلامات المتميزة على القصبات الرئيسية، مثل قصبة المعز لدين الله بالقاهرة. ومازال للمسجد دوره الهام في المجتمع الإسلامي، كمركز للإشعاع الثقافي و الديني والنشاط الاجتماعي إلى جانب دوره الأساسي في جمع المسلمين في صلاة الجماعة.
ويحدد مدى خدمة المسجد بأقصى حد لمسافة المشي الميسرة للقادرين، وكذلك أقصى مدى يمكن فيه سماع صوت المؤذن في دائرة قطرها 400 متر مع الأخذ في الاعتبار الارتفاعات المختلفة للمباني التي قد تحد من مدى الصوت. والإسلام دين يسر لذا يجب أن لا تزيد هذه المسافة عن قدرة الإنسان العادي وهي من 200 إلى 400 متر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا وراح " متفق عليه.
وقد كان سماع صوت المؤذن عاملا في تحديد منطقة الخدمة للمسجد، فمجال الصوت الطبيعي للمؤذن محدود والمدى الذي يصل له كان يحدد المجال الطبيعي للمنطقة التي يخدمها المسجد. وقد دأبت المساجد حديثاً على استخدام مكبرات الصوت، وبذلك تغير مجال صوت المؤذن وأصبح أكبر مدى، بل إن مجال الصوت أصبح متغيرا تبعا لقدرة المكبر ووجود الكهرباء من عدمه. لذا لم يعد من العملي الاعتماد على مجال صوت المؤذن – في حال استعمال مكبر الصوت- لتحديد نطاق خدمة المسجد. وقد اختلف الأئمة حول استخدام المكبرات، لكن يمكن القول انه مع ارتفاع المباني في المدينة – بما يشكل عائقاً للصوت – أصبحت المكبرات عاملاً مساعداً لإيصال صوت المؤذن للمصلين.لكن مع تقارب المساجد المحلية ربما أدى استخدام المكبرات إلى تداخل أصوات المؤذنين بشكل غير مرغوب فيه، وفي هذه الحالة يكون من المناسب استخدام مكبرات الصوت في المساجد الجامعة ومساجد العيد فقط.
مستويات المساجد ومسافات المشي إليها وسعتها:
*المسجد المحلي:
نواة وحدة الجوار ،يوصى أن تكون مسافة المشي إليه في حدود 150 إلى 200 متر ،ويتجمع حوله محال بسيطة وحديقة صغيرة أو مساحة صغيرة وسعته من 320 إلى 960 مصل .
*المسجد الجامع:
نواة مراكز الخدمات للأحياء – يوصى أن تكون مسافة المشي إليه في حدود 250 إلى 300 متر وتتجمع حوله المحال التجارية والخدمات والحديقة العامة وسعته من 960 إلى 2000مصل.
*مسجد العيد:
يكون على أطراف المدينة، وفي المدن التي يزيد عددها عن 100ألف نسمة قد يكون هناك أكثر من مصلي عيد، ويمكن استعمال المساجد الجامعة ومساحاتها كمساجد أعياد.ولا يشترط لمصلي العيد أن يكون في حدود مسافة المشي. وسعته لا تقل عن 40 ألف مصل.
اعتبارات تخطيطية عامة للمساجد:
- يوصى أن تزود المساجد بمساحات مكشوفة خارجية تمثل امتدادا طبيعيا للمسجد وحرما له فهو ملتقى المسلمين الديني و الاجتماعي وكل مجالات الحياة.
- يجب ألا تقل مساحة المسجد عن عدد المصلين داخل حدود منطقة خدمته.
- في حالة الأحياء السكنية الكبيرة "10آلاف نسمة مثلا" وحتى لا تزيد مساحة المسجد الجامع يوصى بعمل عدة مساجد.
- يجب أن يزود المسجد بموقف سيارات مناسب في حالة وقوعه على طريق مرور آلي أو قريبا منه.
- يراعى عدم ارتفاع المباني المجاورة للمساجد عن مآذنها وأن لا تطغى على المساجد سواء بحجمها أو ارتفاعها أو طرازها.
دور المسجد الاجتماعي والثقافي في حياة المسلمين وتأثير ذلك على تخطيط المدينة الإسلامية:
يعتبر المسجد كما ذكرنا نواة المدينة ومركزها الذي تتجمع حوله الخدمات لكل المدينة وكان ذلك لما للمسجد من دور كبير في حياة الفرد المسلم فمن دوره الاجتماعي:
1- المسجد دار للغريب و ابن السبيل والمسافر.
2- المسجد دار للشورى.
3- المسجد مدرسة للمسلم و مكتبة تواكب التطورات الخارجية.
4- المسجد مكان لعقد النكاح.
5- له رسالة عسكرية.
6- مكان لاجتماع المسلمين ففي كل صلاة يتمكن المسلمين من مناقشة أمورهم.
كل هذه النقاط وغيرها جزء صغير من دور المسجد الاجتماعي الذي أثر بشكل مباشر على تخطيط المدينة الإسلامية.
وأهم عناصر تكوينها، ثم يأتي الحديث عن المسجد
النسيج العمراني للمدينة الإسلامية
تتميز المدينة الإسلامية القديمة بثلاثة عناصر أساسية أولها وجود المسجد الجامع في مركزها الحضري عند منتصف القصبة الرئيسية و تعتبر القصبة الرئيسية هي المحور الرئيسي للحركة و النشاط التجاري والإداري و تمثل العنصر الثاني في تكوين المدينة أما العنصر الثالث فيتمثل في المناطق السكنية التي تمتد على جانبي القصبة في صورة حارات تتفرع من القصبة وتكون مجموعات اجتماعية متجانسة من مهنة واحدة وإن تفاوتت مستويات الدخل في كل فئة.
وقد كان للتشريع الإسلامي أثره في تنظيم النسيج العمراني للمدينة القديمة فكان معبرا عن التجانس والتكامل بين المجتمع. حيث تظهر الأحياء السكنية حول محاور الحركة الرئيسية في القصبة كما تظهر التقسيمات الأقل حول محاور الحارة و فروعها ، وعلى مستوى الحارات يظهر التجانس الاجتماعي مع التفاوت الاقتصادي . وتنعكس هذه القيم على النسيج العمراني للمدينة حيث تتساوى المباني في الارتفاعات للحفاظ على حرمة الجوار وتتلاحم في كتلة بنائية واحدة " كالبنيان المرصوص "ولا يرتفع عنها غير مآذن المساجد وقد تتساوى ارتفاعات المساجد مع ارتفاعات المباني أو تزيد أو تقل وكثيرا ما تتلاحم المساجد بالمباني التي تحيطها سواء كانت مدارس أو مساكن أو غيرها. وتتجه المدينة إلى الامتداد الأفقي أكثر من الرأسي كلما أمكن ذلك فإعمار الأرض من القيم الإسلامية العظيمة كما أن الإسلام ينهى عن التطاول في البنيان و المبالغة والإسراف الأمر الذي ينعكس بالتبعية على مبادئ تقسيم الأراضي وشروط البناء وكذلك اقتصاديات البناء. فنجد أن عروض الشوارع و الطرقات كانت تحدد تبعا لحجم الحركة فيها فكانت الشوارع الرئيسية المؤدية للمسجد الجامع تتسع لتصل إلى سبعين ذراعا و غير ذلك من الطرقات تحددت عروضها بعشرين ذراعا أو بالعرض الذي يقبل مرور جملين و الأجزاء المغطاة فيها كانت تحدد بارتفاع الجمل بما يحمل ، أما الأزقة فكان يتراوح بين 3.25 و 3.5 متر وهذا يتناسب مع الحديث الشريف " إذا اختلفتم في الطريق اجعلوا عرضه سبعة أذرع " رواه مسلم عن أبي هريرة والمقياس هنا مرتبط بارتفاعات المباني على جانب الطريق بما يوفر الظل ويعمل على معالجة الظروف المناخية التي فرضت التفاف المباني حول أفنية داخلية و لتحقيق الخصوصية . ويمكن الأخذ بهذه المقاييس في طرق المشاة مع مراعاة فصل حركة المشاة عن حركة المرور الآلي وذلك بتوجيه خارج المنطقة مع إتاحة الفرصة لحركة المرور الخفيفة بالعبور و إن اختلطت بحركة المشاة وتبعا لذلك يمكن تغيير أسلوب رصف الشوارع و الطرقات بحيث تصبح ناعمة وسهلة في الشوارع المخصصة لحركة المرور السريعة بينما تكون خشنة وحجرية في الشوارع الأقل اتساعا و التي تتحمل حركة مرور أقل وتطل عليها المحلات التجارية وفي هذه الحالة يمكن مد شبكات البنية الأساسية في الطرق الرئيسية للمشاة حتى يسهل إدارتها وصيانتها على اعتبار أن الشوارع الرئيسية مخصصة لحركة المرور الآلي الأكثر سرعة و التي لا يمكن شغلها أو تعطيلها في حالة الصيانة للمرافق.
يمثل المسجد و المئذنة علامة بارزة في تشكيل صورة المدينة .
المركز الحضري للحي
يتكون المركز الحضري حول المسجد ويضم مجموعة المسجد والمركز الثقافي والمركز الصحي من ناحية ومجموعة المباني البلدية والخدماتية بحيث تلتف هاتان المجموعتان حول الساحة العامة للحي والتي تتوسط القصبة الرئيسية للحي ويمكن التخديم على المركز الحضري من الخارج بواسطة طريق ذي نهاية مقفلة وتضم مجموعة المباني البلدية والأمنية والخدماتية رئاسة الحي ومكاتب للبريد والبرق والهاتف ومكاتب لرئاسة الحي .
ويتكون المركز الثقافي من صالة متعددة الأغراض ومكتبة وإدارة وغرف جلوس وخدمات وحديقة بينما يتكون المركز الصحي من عيادات متخصصة في مختلف الفروع الطبية وقاعة للانتظار ومعامل للتحاليل والأشعة وخدمات ومركز لرعاية الأمومة والطفولة مع العدد المناسب من غرف للإقامة ووحدة إسعاف ويراعى الفصل في التصميم بين حركتي الرجال والنساء .
ويتحدد حجم الساحة في ضوء كثافة الحركة من ناحية وفي ضوء القطاع العرضي الذي يوضح فيه النسب المناسبة لارتفاعات المباني إلى عرض أو طول الساحة وقد تتكرر صورة المركز الحضري للحي على مقياس أقل بالنسبة للحارة
وهكذا يتحدد المسجد كمركز معماري متميز بمئذنته في التكوين الحضري ويجمع معه الأنشطة الثقافية والصحية في مجموعة متكاملة لا ينفصل فيها المسجد كوحدة معمارية واحدة .
قصبة الحي
تماثل القصبة مركز الحي في النظرية الغربية فالمدينة الإسلامية لم تتكون حول الأجورا كما في المدينة اليونانية أو الفرم كما في المدينة الرومانية
بل تتكون المدينة الإسلامية على جانبي القصبة الرئيسية وتضم القصبة على جانبيها الخدمات التجارية في الأدوار السفلية تعلوها الخدمات المكتبية أو المهنية مع وحدات سكنية في الأدوار العليا
ويتوسط القصبة المركز الحضاري للحي والذي يتميز بالكيان المعماري للمسجد والخدمات التجارية والتي تقدر بنصف إجمالي الخدمات التجارية في الحي بينما النصف الآخر موزع على محاور الوحدات المكونة للحي ويقدر عدد المحال التجارية على أساس 14 محلا لكل ألف نسمة
وتضم القصبة مع مباني المركز الحضري وإلى جانب النشاط التجاري نوعيات أخرى من النشاط المهني والتعليمي والديني الذي يتم في بعض المساجد الصغيرة التي هي اقرب إلى مسجد الحارة المطل على قصبة الحي وتتركز حركة المشاة بالقصبة وتتداخل مع حركة النقل الخفيف
ويتراوح عرض القصبة بين 6 إلى 10 م أو أكثر عند بعض الاتساعات على المسار ويخدم قصبة الحي من الخارج طريقان للمرور الآلي بطول القصبة وموازيان لها ويتفرع من الطريقين طرق فرعية لخدمة المواقع المختلفة على طول القصبة وداخل الحي
المحور الرئيسي للخدمات التعليمية
يلتقي مع قصبة الحي عند المركز الحضري المحور الرئيسي للخدمات التعليمية الذي يضم المدارس الثانوية للبنين من جهة ومدارس للبنات من جهة أخرى تأكيدا للفصل بين النظامين
مع ارتباط الخدمات التعليمية في نفس الوقت بالمسجد والذي يعتبر المكون الرئيسي للمركز الحضري إذ تقوم المدرسة بدورها في التنمية الحضرية للمجتمع الإسلامي وترتبط ارتباطا وثيقا بالمسجد في تخطيط المدن القديمة
ويكون الهدف في هذه المدارس هو التعليم العام والتعليم الحرفي أو الصناعي ويضم محور الخدمات التعليمية أيضا مدارس حضانة وأيضا الملاعب الرياضية وأحواض السباحة التي تخدم المدرسة الثانوية والحي ويربط مجموعة المدارس على طول محور الخدمات الرئيسي للخدمات التعليمية طريق للمشاه يصل إلى الساحة الرئيسية على قصبة الحي ويقع المحور الرئيسي للخدمات التعليمية بين طريقين للخدمة الخارجية وذلك حفاظا على سلامة الطلاب في حركتهم اليومية من السكن إلى المدرسة على طول الحركة الرئيسية للمشاه
المدرسة الثانوية
وتخدم المدرسة الثانوية فئات السن من (15 إلى أقل من 18سنة) وهي تمثل للجنسين حوالي 4%من إجمالي عدد السكان
وتتأثر هذه النسبة بعدة عوامل هي :ارتفاع معدل الزواج المبكر للإناث وارتفاع معدل العاملين في سن مبكر للذكور واختلاف العادات الاجتماعية السائدة واختلاف المستوى الحضاري والثقافي للسكان
وعلى هذا الأساس يمكن افتراض أن نسبة من سيذهبون إلى مرحلة التعليم الثانوي ستتراوح ما بين 1 إلى 2 %من الذكور ومثلهم من الإناث مع مراعاة أن معدل الذكور سيكون أعلى من معدل الإناث ويراعى أنه سيتم الفصل بين المدرسة الثانوية للذكور والمدرسة الثانوية للإناث وتتفاوت مساحة المدرسة الثانوية تبعا لموقعها بالنسبة للمدينة والظروف الخاصة بالحي والموقع ونوع وحجم المدرسة
المحور الثانوي للخدمات التعليمية
يلتقي المحور الفرعي مع قصبة الحي في مراكز ثانوية تتجمع حول ساحات أصغر في المساحة من الساحة الرئيسية ويقع المحور الثانوي للخدمات التعليمية بين وحدتي جوار ويخدم نصف سكان الحي أي أن الحي يكون به محوران ثانويان للخدمات التعليمية ويضم المحور الثانوي المدرسة الإعدادية للبنين وأخرى للبنات للفصل بين الجنسين كما قد يضم المحور الثانوي للخدمات التعليمية في حالة وحدات الجوار منخفضة الكثافة المدارس الابتدائية للبنين والبنات الخاصة بوحدات الجوار والواقعة على نفس المحور
ويربط المدارس على طول المحور الثانوي للخدمات التعليمية طريق للمشاه يصل إلى الساحة الثانوية بالقصبة وذلك حفاظا على سلامة التلاميذ في حركتهم اليومية من المسكن إلى المدرسة على طول الحركة الرئيسية للمشاه
تخدم المدرسة الإعدادية فئة السن من (12 إلى أقل من 15 سنة)وهي تمثل للجنسين حوالي 8% من إجمالي عدد السكان وبفرض تساوي نسبة الذكور ونسبة الإناث فإن هذه النسبة تمثل 4% من إجمالي عدد السكان لكل من الذكور والإناث
وتتأثر هذه النسبة بنفس العوامل التي تؤثر في نسبة التعليم الثانوي
وبذلك يمكن افتراض أن نسبة الذين سيذهبون إلى مرحلة التعليم الإعدادي ستتراوح ما بين ى3 إلى 4 لكل من الذكور والإناث مع مراعاة معدل الإناث سيكون اقل من معدل الذكور
ويراعى أنه سيتم الفصل بين كل من الذكور والإناث في مرحلة التعليم الإعدادي وتتفاوت مساحة المدرسة الإعدادية تبعا لموقعها في المدينة والظروف الخاصة للحي والموقع ونوع وحجم المدرسة
تأثير المسجد على اشتراطات البناء وإدارة المدينة
امتدادا لدور المحتسب في إدارة المدينة الإسلامية فإن الإدارة المعاصرة يمكن أن تتبع نفس المنهج وذلك تأكيدا للاستمرارية الحضارية والالتزام بالقاعدة الشرعية (لاضرر ولا ضرار) سواء في تحديد ارتفاعات البناء أو في حقوق الجوار
الأمر الذي يتطلب رعاية كاملة للعلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع الإسلامي وقي ضوء هذه المبادئ العامة يمكن وضع أسس وقواعد اشتراطات البناء وإدارة المستويات المختلفة لمكونات المدينة بدءا من وحدة الجوار إلى الحي
ومن هذه القواعد والأسس ما يلي :
1-أن يكون المسجد واتجاه القبلة هو الأساس في التخطيط الحضري والتصميم المعماري بالإضافة لعوامل البيئة المحلية
2- تحقيق الخصوصية وهذا يعني المحافظة على حرمة الدار وأهله وأن تكون هناك معالجة خاصة للنوافذ والشرفات والمداخل حتى لا ينكشف ما في داخل الدار مع أفضلية أن تكون معظم الفتحات على فناء داخلي وأن تكون الفتحات الخارجية قليلة ومرتفعة في الدور الأرضي وتحقق الخصوصية
3- أن تكون حوائط الغرف موازية أو متعامدة مع اتجاه القبلة حتى يمكن الصلاة بشكل مريح داخل الغرفة
4- الفصل بين المراحيض وأحواض الوضوء تنفيذا للسنة في عدم الكلام عند قضاء الحاجة وفي الذكر والدعاء عند الوضوء
5- عدم الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية وهذا يستدعي تصميم مصاعد خاصة لتلافي إمكانية الخلوة فيها كذلك الفصل بين الأماكن الخاصة بالرجال عن الأماكن الخاصة بالنساء بما يحقق الخصوصية التامة داخل المباني الخاصة والعامة
المجموعات السكنية في المدينة الإسلامية:
تكونت المجموعات السكنية في المدينة الإسلامية القديمة كتجمعات من ذوي القربى الذين يمتهنون مهنة معينة كتعبير عن الترابط الاجتماعي، وتندرج هذه المجموعات من مستوى الحارة و التي تضم مابين 400و600 نسمة يقطنون مجموعة من المساكن التي تفتح على طريق مغلق للنهاية ملكيته مشاركة بين السكان. وتفتح الحارة على طريق نافذ يمثل القصبة التي تتفرع عنها مجموعة من الحارات تكون في مجموعها الحي السكني. وقد تصب قصبات الأحياء المختلفة في النهاية في القصبة الرئيسية للمدينة حيث مقر الحكم المكون من الجامع الكبير ومقر الحكم، وقصر السكن على ساحل تتفرع منها أسواق المدينة. وكان لكل حارة عريفها الذي يعنى بها نيابة عن سكانها ويختار من بينهم.
ويمكن الاستناد على القاعدة الإسلامية التي تحدد حجم وحدة الجوار وهو الحجم الذي ظهر فيه عدد سكان الحارة كوحدة جوار في المدينة القديمة والرجوع في ذلك للحديث الشريف "ألا أن أربعين دار جار ولا يدخل الجنة من لا يخاف جاره بوائقه "
رواه أبو هريرة، وحدود الجيرة في الإسلام 40 دار في الاتجاهات الأربعة أي 160 دار. والدار هنا إما أن تعرف بالوحدة السكنية وبالتالي يكون عدد السكان في وحدة الجوار 800 شخص باعتبار عدد الأسرة 5 أفراد وهو العدد الذي يتطلب خدمة ممثلة بمدرسة وحضانة وثلاثة من المحلات التجارية ووحدة اجتماعية، أو أن تعرف بمجموعة من الوحدات السكنية المكونة من مبنى سكني لأسرة ممتدة مكونة من 15 فرداً في المتوسط وبالتالي يكون حجم وحدة الجوار 2400 نسمة، وهو العدد الذي يتطلب من الخدمات مدرسة ابتدائية و مركز ثقافي و مجموعة من المحلات التجارية وتضم ثلاثة من مجموعات الجوار السكنية كل منها 800 نسمة.
مقارنة بين المدينة الإسلامية و نظرية المجاورات السكنية :
كانت تتميز المدينة الإسلامية القديمة بثلاثة عناصر أساسية أولها وجود المسجد الجامع في مركزها الحضري عند منتصف القصبة الرئيسية و تعتبر القصبة الرئيسية هي المحور الرئيسي للحركة و النشاط التجاري والإداري و تمثل العنصر الثاني في تكوين المدينة أما العنصر الثالث فيتمثل في المناطق السكنية التي تمتد على جانبي القصبة في صورة حارات تتفرع من القصبة وتكون مجموعات اجتماعية متجانسة من مهنة واحدة وإن تفاوتت مستويات الدخل في كل فئة.
بينما كانت تعتمد الفكرة الأساسية لنظرية المجاورات السكنية على حماية المجتمع من التفكك الاجتماعي نتيجة لتضخم المدن وذلك بتجميع السكان في مناطق سكنية حول مجموعة من الخدمات في مركزها المدرسة الابتدائية ضمن مسافة مقبولة للسير والعمل على الاحتكاك والتفاعل الاجتماعي بين السكان دون تلوث وازدحامات مرورية .
من هنا يمكننا تعريف المجاورة السكني بأنها مجموعة من السكان والمساكن والخدمات تقوم خدمتها على أساس مدرسة ابتدائية تكفل لسكانها ممارسة النشاطات الاجتماعية وممارسة الديمقراطية وهي إطار مناسب لإعادة تخطيط المدن.
نجد أن نظرية المجاورة السكنية تلتقي مع فكرة المدينة الإسلامية في أن كلاهما قائم على أساس اجتماعي يهدف إلى ترابط المجتمع و العمل على تقوية الروابط الاجتماعية فأساس المدينة الإسلامية المسجد و المجاورات السكنية قائمة على وجود مدرسة ابتدائية.
المسجد و مكانته
المسجد هو العنصر الرئيسي ونواة المدينة الإسلامية، فقد كان المسجد هو أول ما يبنى في المدينة الإسلامية الجديدة، وهو نهج سار عليه القادة الإسلاميون اقتفاءً لأثر النبي صلى الله عليه وسلم عندما هاجر من مكة للمدينة وكان أول ما أقامه بها هو المسجد وداره بجوار هذا المسجد.
وقد يقال أن إقامة المسجد كنواة أولى إنما كانت للدعوة للدين الإسلامي الجديد في ذلك العهد، إلا أن المتتبع للمدينة الإسلامية في العصور التالية سيجد مكانة المسجد محفوظة. وأن المساجد كانت العناصر المركزية التي تتجمع حولها الخدمات وكانت ومازالت العلامات المتميزة على القصبات الرئيسية، مثل قصبة المعز لدين الله بالقاهرة. ومازال للمسجد دوره الهام في المجتمع الإسلامي، كمركز للإشعاع الثقافي و الديني والنشاط الاجتماعي إلى جانب دوره الأساسي في جمع المسلمين في صلاة الجماعة.
ويحدد مدى خدمة المسجد بأقصى حد لمسافة المشي الميسرة للقادرين، وكذلك أقصى مدى يمكن فيه سماع صوت المؤذن في دائرة قطرها 400 متر مع الأخذ في الاعتبار الارتفاعات المختلفة للمباني التي قد تحد من مدى الصوت. والإسلام دين يسر لذا يجب أن لا تزيد هذه المسافة عن قدرة الإنسان العادي وهي من 200 إلى 400 متر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا وراح " متفق عليه.
وقد كان سماع صوت المؤذن عاملا في تحديد منطقة الخدمة للمسجد، فمجال الصوت الطبيعي للمؤذن محدود والمدى الذي يصل له كان يحدد المجال الطبيعي للمنطقة التي يخدمها المسجد. وقد دأبت المساجد حديثاً على استخدام مكبرات الصوت، وبذلك تغير مجال صوت المؤذن وأصبح أكبر مدى، بل إن مجال الصوت أصبح متغيرا تبعا لقدرة المكبر ووجود الكهرباء من عدمه. لذا لم يعد من العملي الاعتماد على مجال صوت المؤذن – في حال استعمال مكبر الصوت- لتحديد نطاق خدمة المسجد. وقد اختلف الأئمة حول استخدام المكبرات، لكن يمكن القول انه مع ارتفاع المباني في المدينة – بما يشكل عائقاً للصوت – أصبحت المكبرات عاملاً مساعداً لإيصال صوت المؤذن للمصلين.لكن مع تقارب المساجد المحلية ربما أدى استخدام المكبرات إلى تداخل أصوات المؤذنين بشكل غير مرغوب فيه، وفي هذه الحالة يكون من المناسب استخدام مكبرات الصوت في المساجد الجامعة ومساجد العيد فقط.
مستويات المساجد ومسافات المشي إليها وسعتها:
*المسجد المحلي:
نواة وحدة الجوار ،يوصى أن تكون مسافة المشي إليه في حدود 150 إلى 200 متر ،ويتجمع حوله محال بسيطة وحديقة صغيرة أو مساحة صغيرة وسعته من 320 إلى 960 مصل .
*المسجد الجامع:
نواة مراكز الخدمات للأحياء – يوصى أن تكون مسافة المشي إليه في حدود 250 إلى 300 متر وتتجمع حوله المحال التجارية والخدمات والحديقة العامة وسعته من 960 إلى 2000مصل.
*مسجد العيد:
يكون على أطراف المدينة، وفي المدن التي يزيد عددها عن 100ألف نسمة قد يكون هناك أكثر من مصلي عيد، ويمكن استعمال المساجد الجامعة ومساحاتها كمساجد أعياد.ولا يشترط لمصلي العيد أن يكون في حدود مسافة المشي. وسعته لا تقل عن 40 ألف مصل.
اعتبارات تخطيطية عامة للمساجد:
- يوصى أن تزود المساجد بمساحات مكشوفة خارجية تمثل امتدادا طبيعيا للمسجد وحرما له فهو ملتقى المسلمين الديني و الاجتماعي وكل مجالات الحياة.
- يجب ألا تقل مساحة المسجد عن عدد المصلين داخل حدود منطقة خدمته.
- في حالة الأحياء السكنية الكبيرة "10آلاف نسمة مثلا" وحتى لا تزيد مساحة المسجد الجامع يوصى بعمل عدة مساجد.
- يجب أن يزود المسجد بموقف سيارات مناسب في حالة وقوعه على طريق مرور آلي أو قريبا منه.
- يراعى عدم ارتفاع المباني المجاورة للمساجد عن مآذنها وأن لا تطغى على المساجد سواء بحجمها أو ارتفاعها أو طرازها.
دور المسجد الاجتماعي والثقافي في حياة المسلمين وتأثير ذلك على تخطيط المدينة الإسلامية:
يعتبر المسجد كما ذكرنا نواة المدينة ومركزها الذي تتجمع حوله الخدمات لكل المدينة وكان ذلك لما للمسجد من دور كبير في حياة الفرد المسلم فمن دوره الاجتماعي:
1- المسجد دار للغريب و ابن السبيل والمسافر.
2- المسجد دار للشورى.
3- المسجد مدرسة للمسلم و مكتبة تواكب التطورات الخارجية.
4- المسجد مكان لعقد النكاح.
5- له رسالة عسكرية.
6- مكان لاجتماع المسلمين ففي كل صلاة يتمكن المسلمين من مناقشة أمورهم.
كل هذه النقاط وغيرها جزء صغير من دور المسجد الاجتماعي الذي أثر بشكل مباشر على تخطيط المدينة الإسلامية.
منقول